الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
949 - ( ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين) أي كفوها عن الوقيعة في أعراضهم. والرفع في الأجسام حقيقة في الحركة والانتقال، وفي المعاني محمول على ما يقتضيه المقام (وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيراً) يعني لا تذكروه إلا بخير وكفوا عن مساوئه فإن غيبة الميت أشد من غيبة الحي. نعم إن ترتب على ذكره بسوء مصلحة كالتحذير من [ص 477] بدعته جاز، بل قد يجب كما مر. - (طب عن سهل بن سعد) الساعدي، قال: لما قدم النبي صلى الله عليه سلم من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس - فذكره - فما ذكر من أنه عن سهل بن سعد هو ما رأيته في عدة نسخ من هذا الجامع فإن لم تكن النسخ التي وقفت عليها محرفة من النساخ، وإلا فهو سهو من المؤلف، وإنما هو سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده، وكذا ذكره ابن عبد البر في ترجمة سهل بن مالك، فإن الطبراني وكذا الضياء في المختارة، إنما خرجاه من حديث سهل بن يوسف بن سهل بن مالك ثم ضعفه وقال سهل وأبوه مجهولان وتبعه على ذلك في اللسان وليس في الصحابة سهل بن مالك غيره، ومن لطائف إسناده أنه من رواية الأب عن الجد، وبما تقرر يعرف ما في رمز المصنف لحسنه. 950 - (أرقاءكم أرقاءكم) بالنصب أي الزموا الوصية بهم والإحسان إليهم، وكرره لمزيد التأكيد (فأطعموهم مما تأكلون) أي من جنسه (وألبسوهم) بقطع همزته وهمزة أطعموهم وكسر الموحدة (مما تلبسون) كذلك. فالواجب على السيد لرفيقه إطعامه ما يكفيه وكسوته، وجنس ذلك من غالب القوت والأدم لرقيق البلد وكسوتهم لائقاً بالسيد، ويستحب أن يطعمه من عين ما يأكل ويكسوه كذلك، ولا يجب، ويسن إجلاسه معه للأكل، فإن لم يفعل ندب ترويغ لقمة كبيرة أو لقمتين في دسم طعامه ودفعه إليه كما مر (وإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن تغفروه) كتقصير في خدمته أو افتتان بين أهل المنزل ومعاشرة أهل السوء (فبيعوا عباد الله) أي أزيلوا الملك عنهم بنحو بيع أو كتابة أو هبة أو عتق (ولاتعذبوهم) بضرب أو تهديد أو تقريع فظيع يمزق الأعراض ويذهب بهاء الوجه، ووضع الظاهر موضع المضمر فلم يقل فبيعوهم زيادة في الزجر عن التعذيب وإيماء إلى أن السادة ليسوا بمالكين لهم حقيقة وإنما لهم بهم نوع اختصاص، والمالك الحقيقي لجميع العباد هو الله سبحانه وتعالى. - (حم وابن سعد) في الطبقات. وكذا الطبراني، ولعله أغفله ذهولاً فإن الوجه المخرج منه واحد (عن زيد بن الخطاب) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: أرقاءكم إلخ وقال الهيتمي بعد ما عزاه لأحمد والطبراني فيه عاصم بن عبد الله وهو ضعيف اهـ. وبه يعرف ما في رمز المصنف لحسنه وزيد هذا هو ابن الخطاب أخو عمر، قتل شهيداً يوم اليمامة. 951 - (أرقاؤكم إخوانكم) أي هم إخوانكم في الدين (فأحسنوا إليهم) بالقول والفعل كما يحسن الأخ إلى أخيه (استعينوهم، على ما غلبكم) يعني استعينوا بهم فيما غلبكم: أي فيما لا يمكنكم مباشرته من الأعمال (وأعينوهم على ما غلبهم) من الخدمة اللازمة لهم ولا تكلفوهم على الدوام ما لا يطيقونه على الدوام، وما ذكر من أن الرواية غلبكم وغلبهم بغين معجمة وموحدة تحتية فيهما هو ما في خط المؤلف وغيره، فما في نسخ من أنه بمهملة تصحيف، وإن كان معناه صحيحاً لكن خلاف الرواية. - (حم خد عن رجل) من الصحابة، رمز المؤلف لحسنه. 952 - (ارقى) خطاباً بالمؤنث، وهي دايته الشفاء، فالحكم عام، أي لا حرج عليك في الرقيا لشيء من العوارض: كلدغ عقرب بأي نوع من الرقى التي اعتيدت في الجاهلية (ما لم يكن شرك بالله) أي ما لم تشتمل الرقيا على ما فيه شيء من [ص 478] أنواع الكفر كالشرك أو ما يومىء إلى ذلك، فإنها حينئذ محظورة ممنوعة، وكذا إن اشتملت على لفظ جهلنا معناه. - (ك) وكذا الطبراني (عن الشفاء) داية النبي صلى الله عليه وسلم (بنت عبد الله) بن عبد شمس العدوية من المهاجرات الأول وإسناده صحيح. 953 - (اركبوا هذه الدواب سالمة) أي خالصة عن الكد والإتعاب (واتدعوها سالمة) ولفظ رواية الطبراني بدله ودعوها أي اتركوها ورفهوا عنها إذا لم تحتاجوا إلى ركوبها، وهو افتعل من ودع بالضم وداعة: أي سكن وترفه، وابتدع على القلب فهو مبتدع، أي صاحب بدعة، أو من ودع إذا ترك يقال إيدع وابتدع على القلب، والإدغام والإظهار ذكره ابن الأثير (ولا تتخذوها كراسي) وفي رواية: منابر (لأحاديثكم في الطرق والأسواق) أي لا تجلسوا على ظهورها ليتحدث كل منكم مع صاحبه وهي موقوفة، كجلوسكم على الكراسي للتحدث. والمنهي عنه الوقوف الطويل لغير حاجة، فيجوز حال القتال والوقوف بعرفة ونحو ذلك. وعلل النهي عن ذلك بقوله (فرب) دابة (مركوبة خير من راكبها) عند الله تعالى (وأكثر ذكراً لله منه) فيه أن الدواب منها ماهو صالح ومنها ما هو طالح: وأنها تذكر الله تعالى - (حم) بأسانيد عديدة (ع طب ك عن معاذ) بضم الميم (ابن أنس) قال مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم وهم وقوف على دواب لهم ورواحل فذكره. قال الهيتمي: أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سهل بن معاذ وثقه ابن حبان وفيه ضعف اهـ وقال الذهبي في المهذب: فيه سهل وفيه لين. وفيه إشعار بطلب الذكر للراكب. وقد ذكر أهل الحقيقة أنه يخفف الثقل عن الدابة فإن أخلص الذاكر ودوام على الذكر لم تحس الدابة بثقل أصلاً. وقد أخبروا بذلك عن تجربة. وبعضهم كلمته الدابة وأخبرته بذلك وهذا من كرامات الأولياء التي لا ينكرها إلا محروم. 954 - (اركعوا) ندباً (هاتين الركعتين في بيوتكم) أي صلوها في منازلكم لا في المسجد. لأن صلاتهما في البيت أبعد عن الرياء، ثم بينهما بقوله (السبحة) بضم السين وسكون الموحدة (بعد المغرب) أي النافلة بعد المغرب، سميت النافلة سبحة لاشتمالها على التسبيح، واتفقوا على ندب ركعتين بعد المغرب، وهما من الرواتب واتفق الشافعية والحنفية على ندب جعلهما في البيت، وصرح الحنفية بكراهة فعلها في المسجد. قال في فتح القدير: ووقوعها سنة لا ينافي كراهة فعلها فيه، وذهب بعض العلماء إلى أنه يعصي. وحكي عن أبي ثور، ثم إنه لا اختصاص لذلك بسنة المغرب، بل جميع الرواتب يندب جعلها في البيت بدليل خبر النسائي الآتي: أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وإنما خصها لأنه رأى رجلاً يصليها في المسجد. - (ه عن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة الأنصاري الأوسي الذي أصابه يوم أحد سهم فنزعه وبقي نصله إلى أن مات. رمز المصنف لحسنه. 955 - (ارموا) بالسهام ونحوها ندباً لترتاضوا وتتمرنوا على الرمي قبل لقاء العدو ويصير لكم به خبرة وقوة (واركبوا) الخيل ونحوها مما يركب للجهاد ولتروضوه للقتال. قال الطيبي: عطفه يدل على المغايرة وأن الرامي يكون راجلاً والراكب رامحاً (وأن ترموا) بفتح الهمزة أي والرمي بالسهام وخبره (أحب إليّ من أن تركبوا) أي من ركوبكم [ص 479] نحو الخيل للطعن بالرمح فإنه لا شيء أنفع من الرمي ولا أنكى للعدو ولا أسرع ظفراً منه كما يعلمه من باشر الحروب وخالط الخطوب، ومن ثم أفتى ابن الصلاح أن الرمي أفضل من الضرب بالسيف (كل شيء يلهو به الرجل باطل) أي لا اعتبار به، يقال للمشتغل بما لا يعود عليه من نفع دنيوي أو أخروي بطال، وهو ذو بطالة. ذكره الراغب. قال ابن العربي: ولا يريد أنه حرام بل إنه عار من الثواب (إلا رمي الرجل بقوسه) أي العربية، وهو قوس النبل أو الفارسية وهو قوس النشاب (أو تأديبه فرسه) أي ركوبها وركضها والجولان عليها بنية الغزو وتعليمها ما يحتاج مما يطلب في مثلها. وفي معنى الفرس: كل ما يقاتل عليه (أو ملاعبته امرأته) أي مزاحه حليلته بالنزول لدرجات عقلها لطيب القلب وحسن العشرة، ولذا قال لقمان: ينبغي للعاقل كونه كالصبي مع أهله، ومثلها نحو ولد وخادم، لكن لا ينبسط في الدعابة لحد يسقط هيبته. بل يراعي الاعتدال (فإنهن) أي الخصال المذكورات (من الحق) أي من الأمور المعتبرة في نظر الشرع إذا قصد بالأولين الجهاد وبالثالث حسن العشرة صار اللهو مطلوباً مندوباً فهو من الحق المأمور به ولهذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم من أفكه الناس إذا خلا بأهله، وسبق عائشة مراراً فسبقها وسبقته (ومن ترك) أي أهمل (الرمي) بلا عذر (بعد ما علمه) بفتح العين وكسر اللام مخففة. لا بفتحها مشددة كما وهم يعني بعد علمه إياه بالتعليم، ويجوز بناؤه للمفعول (فقد كفر الذي علمه) أي ستره فيكره ترك الرمي بعد علمه لأن من تعلمه حصل أهلية الدفع عن دين الله ونكاية العدو وتأهل لوظيفة الجهاد، فتركه تفريط في القيام بما تعين عليه. قال الماوردي: وهذا إن قصد بتعلمه الجهاد وإلا مباح مالم يقصد به محرماً. اهـ. وأقول الذي يتضمنه التحقيق أن الرمي وتعلم الفروسية وتعليم الفرس تجري فيه الأحكام الخمسة، فأصله مباح، ثم قد يجب إن تعين ذلك طريقاً للجهاد الواجب عيناً أو كفاية، وقد يندب بقصد الغزو عند عدم تعينه، وقد يكره إن قصد به مجرد اللهو واللعب، وقد يحرم إن قصد به نحو قطع الطريق أو قتال أهل العدل، وعلى حالة الندب أو الوجوب ينزل الحديث. - (حم ت هب) وكذا رواه الطيالسي والإمام الشافعي كلهم (عن عقبة بن عامر) ونوزع المصنف بأن الذي في الترمذي إنما هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين ولعل نسخه مختلفة. قال الديلمي: وفي الباب ابن عمر وغيره، ورمز المصنف لحسنه. 956 - (ارموا الجمرة) في الحج (بمثل حصى الخذف) بفتح الخاء وسكون الذال المعجمتين: أي بقدر الحصا الصغار الذي يحذف: أي يرمى بها، ففي القاموس وغيره: المحذف كالضرب رميك بحصاة أو نواة أو نحوهما بأخذها بين سبابتيك فتحذف به. اهـ. وفي المصباح خذفت الحصاة ونحوها خذفاً من باب ضرب: رميتها بطرفي الإبهام والسبابة وقولهم يأخذ حصى الخذف معناه حصى الرمي، والمراد الحصى الصغار، لكنه أطلق مجازاً. اهـ. والمراد هنا دون الأنملة طولاً وعرضاً وهو بقدر الباقلا، فيكره تنزيهاً بدونه وفوقه، لكنه يجزىء، وفيه رد على الإمام مالك في قوله الأكبر من حصى الخذف أحب إلي، ومن ثم تعجب منه ابن المنذر، ومما يرده أيضاً الخبر الصحيح بأمثال هؤلاء أي حصى الخذف فارموا وإياكم والغلو في الدين. - (حم وابن خزيمة) في صحيحه (والضياء) المقدسي (عن رجل من الصحابة) قال الهيتمي رجاله ثقات. اهـ. ومن ثم رمز المصنف لصحته. 957 - (أرهقوا) بفتح الهمزة، وقال العسكري بكسرها (القبلة) بالكسر: أي ادنوا من السترة التي تصلون إليها [ص 480] بحيث يكون بينكم وبينها ثلاثة أذرع فأقل. والمراد بالقبلة: السترة هنا، وأصلها كل ما يستقبل، فيندب أن يصلي إلى سترة لا تبعد عنه أكثر من ذلك، والأولى إلى شاخص كجدار ولا يعمد له بل بسامت أحد جانبيه، فإن فقد الشاخص فإلى عصى مغروز أو متاع موضوع ارتفاعهما ثلثا ذراع ثم يفرش مصلى ثم يخط خطاً من قدميه طولاً إلى القبلة، وحينئذ يحرم المرور بينه وببن السترة فإن صلى لا إلى شيء مما مر أو بعد عنه فوق ثلاثة أذرع كره المرور. ذكره الإمام الشافعي. - (البزار) في مسنده (هب وابن عساكر) وكذا أبو يعلى والديلمي كلهم (عن عائشة) وفيه بشر بن السري أورده الذهبي في الضعفاء وقال تكلم فيه من جهة تجهمه عن مصعب بن ثابت وقد ضعفوا حديثه، ومن ثم رمز لضعفه. 958 - (أريت) بالبناء للمفعول بضبط المصنف من الرؤيا العلمية لا البصرية لما يجيء، ونكتة حذف الفاعل هنا التعظيم (ما تلقى أمتي من بعدي) أي أطلعني الله بالوحي أو بالعرض التمثيلي على ما ينوبها من نوائب ونواكب وحذف كيفية الأداة لتذهب النفس كل مذهب ممكن، والتقييد بالظرف لا مفهوم له، فإنه عرضت عليه أمته وما تلقاه في حياته وبعد وفاته، لكن لما كان المقصود الإعلام بوقوع الفتن والقتال بينهم بعده وأنه مع ذلك شافع مشفع فيهم ذكر البعدية (وسفك بعضهم) مصدر مضاف لفاعله: أي أراني ما وقع بينهم من الفتن والحروب حتى أهرق بعضهم (دماء بعض) أي قتل بعضهم بعضاً (وكان ذلك سابقاً من الله) تعالى في الأزل (كما سبق في الأمم قبلهم) أي من أن كل نبي تعرض عليه أمته، أو من أن سفك بعضهم دم بعض سبق به قضاؤه كما وقع لمن قبلهم (فسألته أن يوليني) بفتح الواو وشد اللام أو سكون الواو من الولاية (شفاعة فيهم يوم القيامة) ليفوز بخلاصهم مما أرهقهم عسراً وعراهم من الشدائد نكراً (ففعل) أي أعطاني ما سألته، وتنكير شفاعة للتعظيم: أي شفاعة عظيمة. قال بعض المحققين: وهذه الرؤيا ليست بصرية بل قلبية كشفية لأن علم الأنبياء مستمد من علم الحق تقدس، وكما أن علمه سبحانه لا يختلف بحسب اختلاف التسب الزمانية، فكذا علم النبيين بل الزمان تابع لعلم الله وتعلقه بالماضي والمستقبل والحاضر من جهة الكشف واحد، وإنما يختلف بهذه الاختلافات العلم المحدث، ولما كان علم المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومكاشفاته من ذلك القبيل، اندرجت له الأكوان والمسافات والأزمان والجهات في بعض الأوقات حتى رأى أمته الحادثين بعده وما وقع منهم من الحروب والخطوب ورأى الجنة والنار مثلين رأى العين في عرض الحائط إشعاراً بقرب الأمر وإيناساً لمن قصر فهمه عن درك علوم المكاشفات والتجليات. ذكره في المطامح. - (حم طس ك) عن أبي اليماني عن شعيب عن الزهري عن أنس (عن أم حبيبة) زوجة المصطفى صلى الله عليه وسلم بنت شيخ قريش وحبيبها عظيمها أبي سفيان بن حرب الأموية رملة ماتت سنة أربع وأربعين، قال الحاكم على شرطهما والعلة عندهما فيه أن أبا اليماني رواه مرة عن شعيب ومرة عن غيره ولا ينكر أن يكون الحديث عند إمام عن شيخين. اهـ. وقال الهيتمي رجال أحمد والطبراني رجال الصحيح. اهـ. فرمز المصنف لصحته متجه. 959 - (إزرة المؤمن) بالكسر الحالة وهيئة الانزار كالجلسة يعني الحالة التي ترتضي منه في الإتزار وتحسن في نظر الشرع أن يكون الإزار (إلى أنصاف ساقيه) فقط لقوله في عدة أخبار: وأن ما أسفل من ذلك ففي النار، زاد في رواية الطبراني من حديث ابن معقل وليس عنده حرج فيما بينه وبين الكعبين وما أسفل من ذلك في النار قال الطيبي: وجميعها يشعر بالتوسعة، فإذا قصد الخيلاء بما زاد على ذلك حرم، وألحق بذلك القسطلاني كم [ص 481] القميص فمتى زاد فيه على المعتاد بقصد الخيلاء حرم. وقال الفاكهي: فيه رد لما يفعله فقهاء العصر من تكبير العمائم وتوسيع الثياب والأكمام وإطالتها وترفيعها وصقالتها حتى خرجوا إلى مجاوزة الكعبين ونسوا هذا الخبر ونحوه وهذا من أكبر دليل على أنهم لم يقصدوا بالعلم وجه الله. قوله أي أنصاف ساقيه: كقولهم قطعت رؤوس الكبشين - (ن) في اللباس (عن أبي هريرة والضياء) المقدسي (عن أنس) والنسائي أيضاً وأبو داود وابن ماجه كلهم من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه (عن أبي سعيد) الخدري، قال عبد الرحمن سألت أبا سعيد عن الإزار فقال على الخبير سقطت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إزارة المؤمن إلى نصف الساق ولا حرج أو ولا جناح فيما بينه وبين الكعبين ما كان أسفل الكعبين فهو في النار ومن جر ثوبه بطراً لم ينظر الله إليه، هكذا ساقه عنهم جمع منهم النووي في الرياض والزين العراقي في شرح الترمذي وهو مخالف - كما ترى- لسياق المؤلف. قال النووي وإسناده صحيح وعن ابن عمر وقال سمعته أذناي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعاه قلبي. 960 - (ازهد) من الزهد بكسر أوله وقد يفتح، وهو لغة: الإعراض عن الشيء احتقاراً، وشرعاً الاقتصار على قدر الضرورة مما يتيقن حله. وقيل أن لا يطلب المفقود حتى يفقد الموجود (في الدنيا) باستصغار جملتها واحتقار جميع شأنها لتحذير الله تعالى منها واحتقاره لها، فإنك إن فعلت ذلك (يحبك الله) لكونك أعرضت عما أعرض عنه ولم ينظر إليه منذ خلقه. وفي إفهامه أنك إذا أحببتها أبغضك، فمحبته مع عدم محبتها ولأنه سبحانه وتعالى يحب من أطاعه، ومحبته مع محبة الدنيا لا يجتمعان، وذلك لأن القلب بيت الرب فلا يحب أن يشرك في بيته غيره، ومحبتها الممنوعة هي إيثارها بنيل الشهوات لا لفعل الخير والتقرب بها، والمراد بمحبته غايتها من إرادة الثواب، فهي صفة ذاتية أو الإثابة فهي صفة فعلية (وازهد فيما عند الناس) منها (يحبك الناس) لأن قلوبهم مجبولة على حبها مطبوعة عليها ومن نازع إنساناً في محبوبه كرهه وقلاه، ومن لم يعارضه فيه أحبه واصطفاه ولهذا قال الحسن البصري لا يزال الرجل كريماً على الناس حتى يطمع في دنياهم فيستخفون به ويكرهون حديثه. وقيل لبعض أهل البصرة: من سيدكم؟ قال الحسن، قال بم سادكم؟ قال: احتجنا لعلمه واستغنى عن دنيانا. - (طب ك هب عن سهل بن سعد) الساعدي، قال قال رجل يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فذكره. وحسنه الترمذي وتبعه النووي وصححه الحاكم واغتر به المصنف فرمز لصحته وكأنه ما شعر بتشنيع الذهبي عليه بأن فيه خالد بن عمر وضاع ومحمد بن كثير المصيصي ضعفه أحمد، وقال المنذري عقب عزوه لابن ماجه: وقد حسن بعض مشايخنا إسناده وفيه بعد لأنه من رواية خالد القرشي وقد ترك واتهم قال لكن على هذا الحديث لامعة من أنوار النبوة ولا يمنع كونه رواه الضعفاء أن يكون النبي قاله اهـ. قال السخاوي: فيه خالد هذا مجمع على تركه، بل نسبوه إلى الوضع. قال ابن حبان ينفرد عن الثقات بالموضوعات، وقال ابن عدي: خالد وضع هذا الحديث، وقال العقيلي: لا أصل له اهـ. ثم قضية صنيع المصنف أيضاً أن البيهقي خرجه وأقره، والأمر بخلافه بل عقبه بقوله خالد بن عمر ضعيف. 961 - (أزهد الناس) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الهاء: أي أكثر الناس زهداً (في العالم) بعلم طريق الآخرة أو بالعلوم الشرعية أو العقلية (أهله وجيرانه) زاد في رواية حق يفارقهم وذلك سنة الله في الماضين وعادته في النبيين، والعلماء ورثتهم، ومن ثم قال بعض العارفين: كل مقدور عليه مزهود فيه، وكل ممنوع منه مرغوب فيه. قال الماوردي: فإذا قرب منك العالم فلا تطلب ما بعد وربما انبعثت نفس الإنسان إلى من بعد عنه استهانة بمن قرب منه وطلب ما صعب [ص 482] احتقاراً لما سهل عليه وانتقل إلى من لم يخبره مللاً من خبره فلا يدرك مطلوباً ولا يظفر بطائل. وأنشد بعضهم يقول: لا ترى عالماً يحل بقوم * فيحلوه غير دار هوان هذه مكة المنيفة بيت اللّـ * ـه يسعى لحجها الثقلان وترى ازهد البرية في الحـ * ـج لها أهلها لقرب مكان وروى البيهقي في المدخل أن كعباً قال لأبي مسلم الخولاني: كيف تجد قومك لك؟ قال مكرمين مطيعين، قال ما صدقتني التوراة. إذ فيها ما كان رجل حكيم في قوم قط إلا بغوا عليه وحسدوه وقال المصنف رأيت في كراسة لأبي حيان: أوحى الله في الإنجيل إلى عيسى: لا يفقد النبي حرمته إلا في بلده. - (حل) عن محمد بن المظفر عن أحمد بن عمير عن حبشي عن عمرو بن الربيع عن أبيه عن إسماعيل بن اليسع عن محمد بن سوقة عن عبد الواحد الدمشقي (عن أبي الدرداء) قال عبد الواحد: رأيت أبا الدرداء قيل له ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل بيتك جلوس؟ فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - فذكره - ومحمد بن المظفر أورده في الميزان وقال ثقة حجة، إلا أن الباجي قال كان يتشيع، قال في اللسان كان يشير إلى الجزء الذي جمعه ابن المظفر في فضائل العباس فكان ما به ذا وعبد الواحد ضعفه الأزدي (عد) عن موسى بن عيسى الخوارزمي عن عباد بن محمد بن صهيب عن يزيد بن النضر المجاشعي عن المنذر بن زياد عن محمد بن المنذر (عن جابر) بن عبد الله قال ابن الجوزي موضوع والمنذر كذاب. ومن كلامهم زامر الحي لا يطرب، وذكر كعب أن هذا في التوراة وقال سليمان الأحول لقيت عكرمة ومعه ابنه. فقلت أيحفظ هذا من حديثك شيئاً ؟ قال أزهد الناس في العالم أهله. وقال العارف المرسي: ابتلى الله هذه الطائفة بالخلق ليرفع مقدارهم ويكمل أنوارهم ويحقق لهم الميراث ليؤذوا كما أوذي من قبلهم فصبروا كما صبر من قبلهم، ولو كان إطباق الخلق على تصديق العالم هو الكمال لكان الأحق بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل صدقه قوم هداهم الله بفضله وكذبه آخرون فحجبهم الله بعدله، فانقسم العباد في هذه الطائفة إلى معتقد ومنتقد ومصدق ومكذب، وإنما يصدق بعلومهم من أراد الحق إلحاقه بهم، وقليل ما هم، لغلبة الجهل واستيلاء الغفلة وكراهة الخلق أن يكون لأحد عليهم شفوف منزلة واختصار عنه، والعامة إذا رأوا إنساناً ينسب إلى علم أو عرفان جاؤوا من القفار وأقبلوا عليه بالتعظيم والتكريم وكلوا من واحد بين أظهرهم لا يلقون إليه بالاً وهو الذي يحمل أثقالهم ويدافع الأغيار عنهم، فما هو إلا كحمار الوحش يدجل به البلد فيطيف الناس به معجبين لتخطيط جلده وحمرهم بين أظهرهم تحمل أثقالهم لا يلتفتون إليها أولئك قوم لاخلاق لهم. 962 - (أزهد الناس الأنبياء) أي الرسل ومثلهم خلفاؤهم العلماء العاملون (وأشدهم عليهم) في إيصال الأذى والإيلام بالبذاء (الأقربون) منهم بنسب أو مصاهرة أو جوار أو مصاحبة أو اشتراك في حرفة أو نحو ذلك، ولهذا نص الله سبحانه وتعالى على تخصيصهم بالإنذار بقوله - (ابن عساكر) في تاريخه (عن أبي الدرداء) وعزاه ابن الجوزي لجابر ثم حكم بوضعه وتعقبه المصنف بأن له عدة طرق منها حديث أبي الدرداء. 963 - (أزهد الناس من لم ينس القبر) أي موته ونزوله القبر ووحدته ووحشته (والبلاء) أي الفناء والاضمحلال (وترك [ص 483] أفضل زينة) الحياة (الدنيا) مع إمكان تحليه بها (وآثر ما يبقى على ما يفنى) أي آثر الآخرة وما يقرب منها من قول وعمل على الدنيا وما فيها. قال بعض الحكماء: لو كانت الدنيا من ذهب فإن والآخرة من خزف باق لاختار العاقل الباقي على الفاني. وقال: ترك أفضل زينة الدنيا ولم يقل ترك زينة توسعة في الأمر وإشارة إلى أن القليل من ذلك مع عدم شغل القلب به لا يخرج عن الزهد (ولم يعد غداً من أيامه) لجعله الموت نصب عينيه على توالي الأنفاس (وعد نفسه في الموتى) لأن التخلي عن زينة الدنيا والتحلي بقصر الأمل يوجب محبة لقاء الله ومحبة لقائه توجب محبة الخروج من الدنيا، وهذا نهاية الزهد فيها والإعراض عنها. ثم إن من اشتراطه الزهد به ترك زينة الدنيا يشمل النساء، إذ هي أعلى اللذات وأعظمها باتفاق العقلاء، وليس مراد اً فتعين جعل الخبر من قبيل العام المخصوص، أو الذي أريد به الخصوص، فمحبة النكاح وإيثاره ليس قادحاً في الأزهدية، كيف وهو أعظم المحبوبات لخير البرية مع أمره لأمته بإكثار التناكح لإكثار التناسل؟ وقد كان أكابر الصحابة بأعلى درجات الزهد ولم يتركوا الإكثار منهن مع ما هم عليه من ضيق العيش وقلة الرفاهية والجهادين الأصغر والأكبر (فإن قلت) لم لم ينبه على استثنائه في هذا الخبر؟ (قلت) اتكالاً على ما ظهر واشتهر من أنه بعث برفض الرهبانية التي هي شعار النصارى، فاكتفى بذلك عن التنبيه عليه. فتدبر. - (هب عن الضحاك مرسلاً) قال قيل يا رسول الله من أزهد الناس؟ فذكره. رمز لضعفه. 964 - (أسامة) بالضم: ابن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن مولاه وحبه وابن حبه (أحب الناس) من الموالي.أو المراد من أحب الناس (إلي) ولا يعارضه أن غيره أفضل منه كما مر وسيجيء، وكان اسامة يدعى الحب بن الحب وقد عرف ذلك له عمر وقام بالحق لأهله، وذلك أنه فرض لأسامة في العطاء خمسة آلاف ولابنه عبد الله ألفين، فقال له لم فضلت علي أسامة وقد شهدت مالم يشهد؟ فقال إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أبيك، ففضل محبوب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على محبوبه، وهكذا يجب أن يحب ما أحب ويبغض ما يبغض. قال القرطبي: وقد قابل مروان هذا الواجب بنقيضه، وذلك أنه مر بأسامة وهو يصلي بباب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مروان إنما أردت أن ترى الناس مكانك؟ فقد رأينا مكانك، فعل الله بك وفعل، وقال قولاً قبيحاً فقال له أسامة: آذيتني وإنك فاحش متفحش، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش. فانظر ما بين الفعلين وقس ما بين الرجلين، فلقد آذى بنو أمية رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أحبابه وناقضوه في محابه. - (حم طب) وكذا الطيالسي (عن ابن عمر) بن الخطاب، رواه عنه أيضاً الحاكم وقال على شرط مسلم وأقره الذهبي، ومن ثم رمز المصنف لصحته. 965 - (إسباغ الوضوء) بالضم: أي الشرعي (في المكاره) جمع مكرهة: أي إتمامه وتكميله وتعميم الأعضاء حال ما يكره استعمال الماء لنحو شدة برد، والمكرهة بفتح الميم الكره، أي المشقة (وإعمال الأقدام) بفتح أوله: أي استعمالها في المشي بالتكرار أو لبعد الدار هو أفضل كما يأتي (إلى المساجد) أي مواضع الجماعة (وانتظار الصلاة) أي دخول وقتها لتفعل (بعد الصلاة) أي الجلوس في المسجد لذلك أو لتعلق القلب بالصلاة والاهتمام بها. وتخصيص الباجي ذلك [ص 484] بانتظار العصر بعد الظهر والعشاء بعد المغرب لا دليل عليه (تغسل الخطايا غسلاً) أي تمحها فلا تبقي شيئاً من الذنوب كما لا يبقي الغسل شيئاً من وسخ الثوب ودنسه: فكما أن الثوب يغسل بماء حار ونحو صابون لإزالة الدنس فكذا السيئات تغسل بالحسنات، فالمحو كناية عن الغفران، أو المراد محوها من صحف الملائكة التي يكون فيها المحو والإثبات لا في أم الكتاب التي هي علم الله الباقية على ما هي عليه، فلا يزاد فيها ولا ينقص منها أبداً. ثم قضية ذلك وقفه على مجموع الخصال الثلاثة لكن في أخبار أخر ما يدل على استقلالها كل منها في ذلك، والمراد الصغائر بدليل قوله في الحديث الآتي: ما اجتنبت الكبائر. وأخذ بعض أهل القرن السابع بالتعميم رده مغلطاي بأنه جهل بين وموافقة للرجبية وكيف يجوز حمله على العموم مع قوله سبحانه وتعالى
|